فرعونيون وعرب
عفاالله عن كتابنا الصحفيين. ما أقدرهم على ان يثيروا عاصفة من غيرريح،
ويبعثوا حربا من غيرجند.
حلا لبعضهم ذات يوم ان يكون بيز نطيا يجادل في الدجاجة والبيضة أيتهما أصل
الأخرى . فقال على هذاالقياس أفرعونيون نحن أم عرب ؟ أنقيم ثقافتنا على الفرعونية
أم نقيمها على العربية؟
نعم قالوا ذلك القول وجادلوا فيه جدال من أعطي أزمة النفوس وأعنة الاهواء
يقول لها كوني فرعونية فتكون ، أو كوني عربية فتكون . ثم اشتهر بالرأي الفرعوني
اثنان او ثلاثة من رجال الجدل وساسة الكلام ، فبسطوه في المقالات، وأيوه
بالمناظرات ،وبددوه في المحادثات،حتى ظن بنو الأعمام في العراق والشام أن الأمرجد ، وأن الفكرة عقيدة
وأن ثلاثة من الكتاب أمة ، وأن مصر ، رأس البلاد العربية قد جعلت المآذن مسلات، والمساجد
معابد ، والكنائس هيا كل ، والعلماء كهنة.
مهلا بني قومنا ، لاتعتدوا بشهوة الجدل على الحق. ورويدا بني عمنا لاتسيئوا
بقسوة الظن الى القرابة . إن الأصول والأنساب عرضة للزمن والطبيعة ، تقارب بينها
القرون وتفعل فيها الجواء حتى يصبح تحليلها وتمييزها وراء العلم وفوق الطاقة. فاذا
قلنا فلان عربي أوفرنسي أوتركي فانما نعني بهذه النسبة انطباعه بالخصائص الثقافية
والاجتماعية لهذا الشعب، كاللغة والأدب والأخلاق والهوى والدين .
فبأيّ شيئ من هذا يحتج اخواننا الجدليون وهم لو كشفوا في أنفسهم عن
مصادرالفكرومنابع الشعور ومواقع الإلهام لرأواالروح العربية تشرق في قلوبهم دينا،
وتسري في دمائهم أدبا ، وتجري على ألسنتهم لغة، وتفيض في عواطفهم كرامة.
لانريد أن نحاجّهم بما قرره العلماء المحدثون من أن المصرية الجاهلية تمت
الى العربية الجاهلية.
وكفى بالواقع المشهود دليلا وحجة. هذه مصرالحاضرة تقوم على ثلاثة عشرقرنا وثلثا
من التاريخ العربي نسخت ما قبلها كما تنسخ الشمس الظلال. وذلك ما ضي مصرالحي الذي يصيح
في الدم ، ويثور في الأعصاب، ويد فع بالحاضرالى مستقبل ثابت الأساس عزيزالدعائم.
أزهقوا ان استطعتم هذه الروح، وامحوا ولو بالفرض هذا الماضي، ثم انظروا ما
يبقي في يد الزمان من مصر. هل يبقى غير أشلاء من بقايا السوط ، وأشباح طائفة ترتل
" كتاب الأموات" وفنون خرافية شغلها الموت حتى أغفلت الدنيا وأنكرت
الحياة ؟ وهل ذلك الآ الماضي الأبعد الذي تريدون أن يكون قاععدة لمصرالحديثة تصور بأ
لوانه وتشدو بألحانه وتحيا أخيرا بروحه؟ ولكن أين تحسون ، بالله ،هذه الروح؟
ان أرواح الشعوب لاتنتقل الى الأعقاب الا في نتاج العقول والقرائح . فهل
كشفتم بجانب الهياكل الموحشة والقبور الصم مكتبة واحدة تحدثكم عن بفلسفة كفلسفة
اليونان ، وتشريع كتشريع الرمان ، وشعر كشعر العرب؟ أم الحق أن مصرالقديمة دفين
فنيت روحه مع الآلهة ، وصحائف موت ذهب سرها مع الكهنة ، والخامد لا يبعث حياة،
والجامد لا يلد حركة.
لاتسطيع مصر الاسلامية الا أن تكون فصلا من كتاب المجد العربي لأنها لاتجد
مددا لحيويتها ، ولا سندا لقوتها، ولاأساسا لثقافتها ، الاّفي رسالة العرب . أما
أن يكون لأدبها طابعه ولفنها لونه، فذلك قانون الطبيعة .
وقديما كان لون الأدب في الحجازغيره في نجد ، وفي العراق غيره في الشام،
وفي مصرغيره في الأند لس ،دون ان يسبق هذاالتغاير دعوة ولا أن يلحق بها أثر.
انشروا ما ضمنت القبورمن رفات الفراعنة، واستقروا من الصخورالصلاب أخبار
الهالكين ، ثم تحدثوا أطيلوا الحديث عن ضخامة الآثار وعظمة النيل وجمال الوادي
وحال الشعب، و لكن اذكروا دائما أن الروح التي
تنفخونها في مومياء فرعون هي روح عمرو، وأن اللسان الذي تنشرون به مجد
مصرهو لسان مضر، وأن القيثار الذي توقعون
عليه ألحان النيل هو قيثار امرئ القيس ، وأن آثار العرب المعنوية التي لاتزال تعمّر
الصدور وتملأ السطور وتغذّي العالم ، هي أدعى الى الفخر وأبقى على الدهر وأجدى على
الناس من صفاح الذهب وأكوم الحجارة.
وانما تتفاضل الأمم بما قدمت للخليقة من خير ، وتتفاوت الأعمال بما أجدت
على الانسان من نفع . أليس الخزّان خيرا من الكرنك ، والازهر أفضل من الأ هرام ،
ودار الكتب أنفس من دار الآثار؟
وبعد ، فان ثقافتنا الحديثة انما تقوم في روحها
على الإسلام والمسيحية، وفي أدبها على الآداب العربية والغربية ، وفي علمها على
القرائح الأوروبية الخالصة، أما ثقافة البردي فليس يربطها بمصر العربية رباط
،لابالمسلمين ولا بالأقباط