Tuesday, January 20, 2015

لقب أسرتنا



لقب أسرتنا
تفضّل رئيس مجمع فؤاد الأوّل للغة العربية بالنيابة ، زميلي الدكتور فارس نمر باشا، يوم افتتاح مؤتمر الدولة الثالثة عشرة ، وسألني بعد أن تكلّمت في المضافات والمنسوبات أن أكشف الغطاء عن حقيقة اسم اسرتنا " كرد على " وأذكر الأصل في هذه النسبة وهذه الاضافة، فوعدته باجابة طلبه ، وان أحل هذا اللغز الغمض الذي طالما كان موضوع أخذ وردّ، كنت فيهما في مصيبة، ومصائب الدنيا كثيرة من جملتها هذالاسم .
جاء جدّي من مدينة السليما نية من بلاد لأكراد (شمال العراق) وسكن دمشق قبل نحو 150 سنة ، وأمي شركسية من قفقاسيا . سمّاني أبي محمد ا وكنّاني بفريد . فلما دخلت المدرسة الثانوية سألني الناظر التركي من أيّ محلّة أنا، وكان من عادتهم أن ينسبوا التلميذ الى حيه الذي يسكنه . فحرت في الجواب لأن اسم محلّتنا ماكان من الرشاقة بحيث أجوز لنفسي أن يطلق علّي اسمه " زقاق البرغل" فقلت له: أنا من " التعديل "، اسم محلة أخرى كان يسكنها أبي لمّا كان طفلا. فكنت " محمد تعديل " ستّ سنين مدّة الدراسة الثانوية.
ولما وظفت في الحكومة لم يرض رئيس الديوان أن يعيد ني الى اسم اسرتي ، فاكتفي " بحمحد فريد" وحذف اسم عائلتي على عادة الأتراك ، ولما بدأت أكتب في الصحف كان أقصى همّي أن أعود الى اسمي الأول والى لقب بيتنا القديم ، فأصبحت "محمد كرد على" واغتبطت أم حافظت  عليه طول عمري وبه اشتهرت.
واستبان لي بعد ذلك ان في الناس من يحيدون جاهلين أو متجاهلين عن إطلاق الاسم الذي اخترته، ومنهم من يحبّ المعاكسة أو لا يحفظ اسما ولو كرّرته على مسامعه ألف مرّة .
فما لبث بعض من عرفوني حبى في أيام ظهوري في الرياسات والوزارات أن تداخلوا في صيغة اسمي يحاولون ان يبدّلوه بما يتراءى لهم، فعدت الى البلاء الذي اصبت به في العقد الثاني من عمري. وكنت أظنّ بعد أن ربحت معركة الأسماء أنني نجوت مما لم ينج منه المصريون في التسمية. لقد أضاعوا أنسابهم وأصييبوا ببلبلة عظيمة كادت تكون هزلا. وهل من المعقول أن يكون اسم شقيق" أحمد زكي باشا" محمود بك رشاد"وأن يكون "اسما عيل صدقي باشا" شقيق "عزت بك شكري"؟
نعم، ظللت في كرب من هذا اللقب، وهو وإن لم أستسغه كثيرا لأ نه ليس ببليغ ولا فصيح ،لكنّني رأيت في المحافظة عليه معنى من معاني الثبات ، وقد صقل على الأيام بعض الشيئ. ومن الغريب أن أحد وزراء معارف سورية مازال يناديني الى اليوم " محمد علي بك " وأحد وزراء مصر للمعارف أيضا ما برح يخاطبني "بكردي بك"
والأنكى من كل هذا وذاك أن هذا المجمع، مجمع فؤاد الأول للغة العربية الذي كان لي شرف الانضمام اليه منذ تأسيسه ، ما برح  مكتبه يجود علي باسمي محرّفا، ويتكرّم ويزيد عليه نعتا أو رتبة مثل " الفاضل" أو " صاحب العزة" هذا، والرئيس والاخوان يخاطبونني" بسعادتك " وصاحب السعادة" وهذا أكثر ما أسمعها في مصر من مختلف الطبقات ، ويزيدون فيها،" بك" فتكون "سعادة اليك " ومن لم ينسوا أنّي عملت وزيرا مدّة طويلة لا يحرموني من لقب " معاليك" و "صا حب المعالي"
ولطالما أعلنت لمن يؤذونني بألقابهم أن لفظ " الأستاذ " أحب الألقاب الى نفسي، وإن تبتذلت حتى صارت تقال للمستجدي في الشوارع.
ولقد خلت جمهوريّتنا السعيدة من هذا الحرج، وقضت ألاّ يطلق بعد الآن على أحد من أبنا ئها الاّ لفظ " السيد" مهما بلغ من مكانته . واذا عنّ لكم أن تعرفوا أصل معنى "السيد" في اللغة فارجعوا الى المعاجم تجدوا ما تريدون . والظاهر أن من مضى عليهم زمن طويل وهم يسرحون ويمرحون بألقاب الترك، لا يروقهم التخلّي عنها، واذا خاطبهم مخاطب " بالسيد" يعتبرون ذلك تحقيرا لهم ، ويبتهجون اذا أضفت الى  خطابك " سعادتك "، " دولتك " ، " فخامتك" ولكن المولعين بهذه الألقاب سوف يذهبون من لأرض ويخلفهم  جيل شعبيّ جديد يقنع بلفظ " سيد" ويعدها نعمة على العالمين.
وبعد، فقد كاد هذا التبلبل في صيغة اسمي ايّام الصبا أن يحرمني راتب التقاعد (الماش)، ذلك أنّ خبثاء في ديوان المالية قالوا إنّ " محمد فريد" الذي كان موظفا في قلم الأمور الأجنبية كان تركيا مات من سنين، رحمه الله ، وإن دعواي أنني أنا هو غير صحيحة. وشهد بذلك معلمان كان أخرجا من خدمة المعارف لسوء سيرتهما. فما وسعني الا أن أتيت بشهود عدول من كبار رجال الدولة عرفوني في ذاك الديوان منذ أوّل نشأتي. وما نلت حقي في الراتب بعد هذا الاّ بإيعاز للديوان من مصدر عال لم يسع المالية الا أن تعطيه على مضض.
هذا ما أورثنيه اسمي من الا ضطراب وضياع الوقت والإثبات . وقد أوردت ما تقدم على سبيل العلم أوّلاً والفكاهة ثانيا، والحمد لله خير الأسماء.

No comments:

Post a Comment