القيم الحاكمة للعمل الخيري الإسلامي
الشيخ / حسين محمد حلاوة
الأمين العام للمجلس الأوربي للافتاء والبحوث
يعرض هذا الملتقى لقضية مهمة فى حياة المسلمين جميعا ،غنيهم وفقيرهم ،
قضية تنبع أهميتها من وجودنا علي الخارطة العالمية ، فنحن المسلمين أمة اختارها
الله لتؤدي رسالة في هذا الوجود هي رسالة الخير والرحمة والنّور والهداية نحملها للدنيا
بأسرها ونبشر بها في العالمين.
ونحن في سَعينا هذا لا ننطلق من فراغ وإنما من قيم حاكمة لعملنا الذي
يغيث الملهوف ويرشد الحائر ويعين ذا الحاجة ، وقبل أن أتناول هذه القيم أشير إلى
أن العمل الخيري أو العمل الإغاثي ، ليس من نتائج هذا العصر الحديث كما يتصور
بعضنا، بل هو قديم قدم الإنسانية ، وقد فطر الله الناس على محبة الخير ورحمة
المساكين،ومع تطور الحياة أصبح العمل الخيري له نظمه وأشكاله ومؤسساته المنظمة
لعمله.
وقد جاءت الرسالات السماوية كلها تدعو النّاس إلى عمل الخير وتنهاهم عن
ضده من أعمال الشر والسوء، وعندما ختم الله الرسالات ببعثة نبينا محمد صلي الله
عليه وسلم جعل غاية رسالته أن يكون رحمة
للعالمين ، فحثّ النبي صلي الله عليه وسلم
الناس علي فعل الخير وبذله للناس كبيرهم وصغيرهم غنيهم وفقيرهم ، بل تجاوزت الدعوة
لفعل الخير بني الإنسان فشملت الدواب والطير وسائر المخلوقات، وقد أخبرنا الصادق
المصدوق عليه الصلاة والسلام أنّ امرأة بغية دخلت الجنّة لأنّها سقت كلبا من العطش
، وفى المقابل نجد امرأة عابدة تدخل النّار في هرة حبستها لا هي أطعمتها ولاهي
تركتها تأكل من خشاش الأرض ، فالقلب القاسي الذي لا يرق للحيوان البهيم لا يمكن أن
يكون عطوفا على الإنسان بحال.
ومن هنا جاء الاسلام وحث اتباعه
على الرحمة وفعل الخيرات ، وأكد على خلق
التكافل والتآخي بين الناس، وشرّع فى ذلك الشرائع التى تضمن هذا التكافل فحث
الإسلام على أن يهتم الإنسان بأقاربه أينما كانوا ، وجعل لهم حقوقا يجب القيام بها
، قال تعالى (وآتي ذى القربى حقه والمساكين وابن السبيل) أيضا شرع الإسلام الزكاة لتحقيق
التكافل الاجتماعي حيث تؤخذ من أغنياء الناس وترد على فقرائهم ، وبعض الفقهاء توسع
فأجاز أن يعطى منها الكافر غير المسلمين ما لم يكن محاربا ، ولا يقتصر الأمر على
الزكاة وحدها فأبواب الخير وأعمال البر وأوجه النفقة في ديننا كثيرة مفتوحة قد
حدثنا عنها القرءان وطالبنا بالقيام بها.
ومن ذلك أن الإسلام حثّ على الصدقات الجارية والوقف ضمانا للأمن المجتمعي
، سواء كان أمنا غذائيا أو أمنا تعليميا ، ونحن نعلم من روائع تاريخنا وحضارتنا أن
الوقف فى الاسلام اتسعت موارده وتعددت مجالاته ومصارفه ، فأوقِفَت الأموال لأعمال
مبتكرة ، منها الوقف على الكلاب الضآلة لتطعم ، ومنها ما عرف بوقف الزبادي يوقف من
أجل الخدم الذين تسقط منهم الأواني وتتكسر حتى لا يتعرضوا لعقاب أو يكلفوا بضمان، فضلا
عن الأوقاف الكثيرة التي اتجهت للمرضى والفقراء حتى تؤمن لهم حياة مستقرة.
وقد تكلم فقهاء الإسلام عن التكييف الشرعي لهذه الأعمال الخيرية فذهب
بعضهم إلى أنها من فروض الكفاية إذا قام بها البعض سقط الفرض عن الباقين ، وهذا
صحيح لكن قد تكون هناك ظروف تجعل القيام بالعمل فرض عين ، فقد يتعين على مؤسسة ما
إذا لم تكن إلا هى فى الساحة عملا يجب أن تقوم به ، أو يتعين على فرد ما بعينه في
حال الاحتياج إلى إغاثة أو عون أو مساعدة.
أمّا القيم الحاكمة للعمل الخيري في التصور الإسلامي فهي كثيرة لا تكاد
تنحصر ، ولكن حسبنا في هذا المقام أن نشير إلى بعضها دون استقصاء
(1)قيمة التجرد
أول قيمة أجدها هى قيمة التجرد هذه القيمة العظيمة التى أخذ الاسلام
أتباعه بها ، حقيقتها أن يكون عمل الانسان كله لوجه الله سبحانه وتعالى خالصا
لايبتغي به من أمور الدنيا شيئا ، ينظر إلى مرضاة الله ورضوانه قبل أن ينظر إلى
الأجر العظيم الذى ادخره الله له (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ربّ
العالمين لاشريك له) ، فالمسلم الحق حياته كلها لله جده وهزله ومنشطه ومكرهه.
وقيمة التجرد تثمّر المال الخيري وتنميه ، فالمتجردون المخلصون لله لا
يبغون من وراء عملهم إلا رضاء الله سبحانه وتعالى ونفع الناس ، وينتظرون منه
سبحانه الأجر والثواب ، نلاحظ هذا الأمر حينما نقارن بين مؤسسات العمل الخيري
الاسلامي وغيرها ، فالمسلم يعمل وشعاره (إنّما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم
جزاءا ولا شكورا) فى المقابل تجد مؤسسات أخرى غير إسلامية، تقدم الإعانات من
الطعام أو الشراب أو الكساء أو المسكن، من أجل منافع وتحقيق مكاسب ومصالح ،فهناك
منظمات تستغل حاجة الناس من أجل أن تنصرهم وتنقلهم من دينهم ، بل ربما افتعلت
المشكلات وساعدت على تأجيجها حتى تظل الحاجة باقية وسوق الاستغلال للظروف رائجة.
إن من ثمرات التجرد على واقع العمل الخيري أنه يساعد على نجاحه بأقل
التكاليف، ونحن نعلم أن أعدادا من العاملين في مؤسسات الخير الإسلامي يقومون بكثير
من الأعمال الخيرية تطوعا لا يتقاضون رواتب ، خاصة فى أوقات الأزمات التى تمر
بالأمة حيث يحرص كثير من النّاس على فعل الخير بجّد وحرقة ويدفعه على ذلك الرغبة
في المساهمة والتطوع في فعل الخير ورجاء الأجر من الله.
(2)قيمة الحياة
نحن نجتهد في عمل الخير لأن هناك قيمة مهمة حض عليها الإسلام ، وجاء من أجل
الحفاظ عليها وهي قيمة الحياة ، فالإسلام أعطى حق الحياة لكل دآبة تدبّ على الأرض أو طائر يطير بجناحيه فما بالك
بالإنسان خليفة الله على الأرض ، فالإنسان مكرم بغض النظر عن جنسه أو لونه أو لغته
، وحق الحياة مكفول له حتى لو كان مشركا لا يعرف ربّه ولا يتجه إليه بعباده قال
تعالى (من قتل نفسا بغير نفس أو فساد فى الأرض فكأنما قتل النّاس جميعا) لا بل إن
الاسلام جعل مقاصد الدين كلها ترمي إلى هذا سواء حفظ العقل أو الدين أو النسب هذه
كلها مقاصد الهدف منها حياة هذا الإنسان الكائن الذى كرمه الله سبحانه وتعالى( لقد
خلقنا الإنسان فى أحسن تقويم )
إن عدم الاهتمام بهذه القيمة (قيمة الحياة) والسعي لتكون حقا مصانا لكل
الناس سيترب عليه آثار وخيمة تؤدي في نهاية المطاف إلى دمار الحياة وفناء البشرية ،
وقد ركب الله سبحانه فى نفس الإنسان غريزة حبّ البقاء فهو يقاتل ويقاوم من أجل
حياته وما من أحد إلا ويتمنى أن يطول عمره وربما حمله ذلك على التطلع إلى الخلود
إن وجد لذلك سبيلا .
(3)قيمة العدل والمساوة
المساواة بين البشر في الحقوق الأساسية والواجبات العامة قيمة إسلامية
عليا فالناس في أصل خلقتهم سواسية كأسنان المشط لا فضل لعربي على عجمي ولا أبيض
على أسود إلا بالتقوى، ومن هنا فإن قبائل الناس وأشكالهم ولا ألوانهم ولا لغاتهم لا
دخل لها التفضيل أو الحظوة من قريب أو بعيد قال تعالى(يا أيها الناس إنا خلقناكم
من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم )
وتتبع قيمة المساواة بين الناس قيمةً أخرى هي العدل وكثيرا ما نوه
القرءان بهذه القيمة ودعا لها وجعلها أساسا لصلاح الناس في حياتهم ومعاشهم قال
تعالى ( لا يجرمنكم شنأن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا) وفي التاريخ
الإسلامي نماذج وتجليات حققت هذه القيمة سواء خاصة في عهود الخلافة الراشدة حيث
ساد العدل والقسمة بالسوية بين الناس.
والعدل سلوك يحمل المؤسسة
الخيرية على إعطاء كل ذي حق حقه فهي عندما تقدم للناس خير لا تفرق بين فقير
وفقير ، ولا بين مسلم وغير مسلم ، فالنّاس سواسية وكل محتاج إلى الخير يجب أن يقدم
له بغض النظر عن انتمائه الوطني أو الديني.
ومتى ما تراخى الناس في إنفاذ العدل والالتزام به مع القريب البعيد
والصديق والعدو ، اضطربت أحوالهم وفسدت نظمهم وانهارت مجتمعاتهم ، وهذا نجده واضحا
جدّا في انتشار الإرهاب على الساحة العالمية ، فالشعور بالظلم يولد المرارات ،
والإحساس بأن هناك إنسانا مفضلا يستحق المساعدة والبقاء يخل بموازين العدالة وينشر
في حياة البشر الإرهاب والحروب والعداء ، ويؤدي الي فشو الظلم بلا شك ، والظلم كما
قال عنه ابن خلدون (مؤذن بخراب العمران) أما المؤسسات الاسلامية فهي حينما تتعامل
يجب أن تتقيد بهذه القيمة العظيمة قيمة
المساواة والعدل في كل جوانب عملها
(4)قيمة الرحمة
من القيم الحاكمة للعمل الخيري قيمة الرحمة التي قال الله عز وجل عنها(وما
أرسلناك إلا رحمة للعالمين) وهذه الرحمه يتربي عليها المسلم نظريا وعمليا ، وكم من
مرة نقف بين يدي الله سبحانه وتعالي في الصلاة لنقرأ في كل ركعة ِسورة الفاتحة ،
ونكرر اسم الله (الرحمن) (الرحيم) ، حتى يكون هذا الإسم حاضرا في وجداننا ليصبح من
ثمّ سلوكا دائما يلتزمه المسلم في تعاملاته وصلاته كلها.
وتحدثنا السيرة أن رجلا من الأعراب الجفاة جاء للنبي صلي الله عليه وسلم فلما
رأءه يرحم الصغار ويحتضنهم تعجب من حاله وقال أوتقبلون صبيانكم؟!، وعد النبي صلى
الله عليه وسلم هذا التعجب دلالة علي انتزاع الرحمة من قلب هذا الرجل ، وقال من لا
يرحم لا يُرحم . فقلب المؤمن قلب مفعم بالحب وملئ بالرحمة يفيض بالخير والحنان على
كل أحد ، وبهذه المشاعر الندية يتحرك المؤمن في حياته يتعامل مع الموافقين له
والمخالفين.
إن الأثر السلبي لغياب خلق الرحمة أن تصبح القسوة التي قال عنها ربنا(ثُمَّ
قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ
قَسْوَةً ) هي الأصل في الحياة فيقسو الناس بعضهم على بعض وتنعدم من حياتهم مظاهر
التراحم ، وقد جاء الإسلام بالمنهج الذي يجسد الرحمة سلوكا حيا يصل نداها للناس
جميعا (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) ولم يقل سبحانه رحمة للمسلمين ولا رحمة
للطائعين ولا رحمة للمتقين ، وإنما رحمة للعالمين جميعا ، فكل الناس تنالهم من هذه
الرحمة ظلال ولكن النصيب الأوفر منها يكون لمن أطاع الله وخافه واتقاه.
والمؤسسات الخيرية الإنسانية حينما تنزل للساحة تكابد المشاق وتقتحم
الخطوب من أجل تخفيف معاناة الآخرين وماسيهم يجب أن تتحرك بهذه القيمة لأنها
القيمة التي ستمنح هذا العمل روحه وحقيقته.
(5)قيمة الاختلاف بالحسنى
ومع عملنا في الساحة وانشغالنا بفعل الخير سنجد أناسا يختلفون معنا فى
كثير من الامور ، والاختلاف سنة من سنن الله فى هذا الكون ، ولا نستطيع بحال من
الأحوال أن نتصادم مع سنن الله عز وجل ، والذى يريد أن يقيم الناس جميعا على وجه
واحد وعلى طريق واحد إنسان يصطدم مع سنن الله التي وضعها في هذا الكون لتحكم حياة
البشر وهي سنن غلابة يخضع لها الجميع.
والله عز وجل يقول (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً
وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ
خَلَقَهُمْ) فقد خلق الله سبحانه وتعالى الناس مختلفين وأراد لهم ذلك ، وهذا يقتضي
وجوب مراعاة اختلاف الناس فى طبائعهم واختياراتهم والرضى بهذا الاختلاف الفطري ،
ثم التعامل مع المخالفين لنا بالحسنى وعدم تجريحهم أو تجريمهم بسبب هذا الاختلاف.
والأمور التي تجمع الناس والبشر جميعا أكثر من التي تفرقهم ، وهذا على
مستوى الأفراد وعلى مستوى المؤسسات كذلك ، ومن هنا كان الاتجاه إلى تعزيز المشترك
الإنساني الذي يجمع الأسرة الإنسانية على الحد الأدنى من التوافقات أمر ضروري
لاستقرار حياة الناس ، لأننا نعلم أن أي جهد يبذل في سبيل مصادرة حق الآخرين في
الاختلاف العقدي أو الفكري أو التنظيمي سيقود إلى الغلو والتعصب بين الناس، وقد
لمسنا في واقعنا المعاصر تطرفا قاد إلى التكفير واستباحة الدماء بسبب الاختلاف في
أمور لا أمل أن يتفق عليها الناس.
(6)قيمة الأمن
من القيم التى أحب أن أشير اليها ونحن نتحدث عن القيم الحاكمة للعمل
الخيري قيمة الأمن النفسي والمجتمعي وهذه القيمة العظيمة أولاها الاسلام عناية
فائقة ، وبعض القيم التى مررنا عليها سابقا غايتها أن نصل إلى تحقيق هذه القيمة في
حياتنا.
والقران الكريم حينما يحدثنا أن حياة الإنسان وموته ورزقه لا يملكه إلا
الله سبحانه وتعالى ويؤكد النبى صلى الله عليه وسلم هذا المعنى أيضا (والذى نفس
محمد بيده لن تموت نفس حتى تستوفى رزقها وأجلها) هذا كله هو من أجل بث الطمأنينة
والأمن النفسي ، وقد عدّ الله الأمن من أجل نعمه على قريش (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ
هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) ومن
هنا جاء الاسلام ليؤمّن الناس جميعا على حياتهم وعلى أرزاقهم ، هذه القيمة لها
ارتباط وثيق بدور مؤسسات العمل الخيري ، حينما يكون هدفها من إغاثة الناس أفرادا
وجماعات إنّما هو بث روح الطمأنينة والسكينة فالناس فى ظل الخوف والرعب لن
يستطيعوا أن يفكروا تفكيرا منتجا أو يحيوا حياة طيبة ، ولذلك يتجه كثير من فاقدي الشعور
بالأمن نحو عالم الجريمة والانتحار والتعدي على الآخرين والفساد فى الأرض.
(7)قيمة الأمل
من وظائف المؤسسات الخيرية أن تعمل على تثبيت الأمل فى قلوب النّاس حتى
لا ييأسوا لان الله عز وجل قال (وَلا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا
يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الكَافِرُونَ) وقد كان النبى صلى
الله عليه وسلم يبث الأمل فى النفوس ولا ييأس من هداية الناس إلى طريق الله جل
وعلا ، والمسلم مهما ارتكب من الذنوب فإنه لا ييأس من رحمة الله متى ما جاء إلى
ربه مستغفرا ، وقد قصّ علينا النبى صلى الله عليه وسلم قصة الرجل الذي قتل تسعة
وتسعين نفسا ثم أراد أن يتوب فذهب الى عابد فيقول له ليس لك من توبة فيتم به المئة
ثم يذهب إلى عالم فيقول له من يحول بينك
وبين التوبة ويمنحه الأمل والرجاء في سعة رحمة الله ليتوب ويرجع إلى ربه.
وعلمنا الإسلام أن نبث الأمل في المرضى حتى يتم لهم الشفاء وندعو لهم
ونقول (طهور إن شاء الله) وقد عرف تراثنا الحضاري وقفا سمّاه السلف بوقف تهيئة
المريض حيث يأتي من يقف على رأسه ليتكلم معه ويؤمّله في الشفاء ويبين له سعة لطف
الله حتى تقوى عزيمته وتتحسن نفسيته ويبرأ من مرضه بإذن ربّه
(8)قيمة التعاون
التعاون بين الناس على قاعدة البر والخير من أعظم القيم التي دعا إليها
الإسلام (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى
الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) وهناك آيات كثيرة وأحاديث تحضنا على الاجتماع والتعاون
على الخير وتبين لنا أنّ يد الله وتوفيقه مع الجماعة متى ما تعاونت وتآلفت.
ومن فوائد التعاون أنه من أعظم عوامل النجاح خاصة في المشاريع الكبرى
التي تقام حيث تتضافر الجهود والطاقات والمواهب لإنجاز المهمات ، ومن فوائد
التعاون أنه يمكّن المؤسسات الخيرية من تقديم خدمات أفضل فمثلا حينما تتعاون
المؤسسات الخيرية في تبادل المعلومات فإنها تتمكن من الوصول إلى ذوي الحاجات ، وتقسيم
المعونات على الفقراء والمحتاجين بنوع من الإنصاف.
ومن عواقب ترك التعاون أنه يقود إلى الفشل وعدم التوفيق لأن يد الله مع
الجماعة ، كما يؤدي إلى بروز أمراض حب الذات والظهور والشعور بالأنا.
(9)قيمة العمل والإنتاج
وهذه قيمة عظيمة أيضا لابد أن نأخذ بها ونحن نتحرك في أعمالنا الخيرية ،
سعيا لحل مشاكل الفقر والعوز ، وقد دلت التجارب أن تفجير طاقات المجتمع ليكون
منتجا قادرا على الكسب أجدى من إعطاء الفقير مالا أو صدقة ، فالصدقات يمكن أن تحل
مشكلة مؤقتة لكنها لن تعالج آفة التسول في المجتمعات، ولذلك كان الحل الأمثل أن نعمل
على تحويل المستطيع للعمل من شخص متسول قاعد إلى شخص منتج عامل يكون بعد زمن قريب
قادرا أن يربح كما يربح غيره وأن يعطي
بدلا من أن يأخذ.
وهناك خطوات بدأت في هذا السبيل اتجّه إليها العمل الإغاثي الإسلامي تطويرا
لوسائله وتعميقا لأهدافه من أجل الوصول إلى هذه القيمة التي تجعل من المجتمع
مجتمعا مورا بالحركة والنشاط ، ولا سبيل إلى ذلك إلا بإغناء الفقراء عن السؤال ،
ومن أحسن أوجه العطاء التي يتحقق بها الاستغناء أن تنشئ المؤسسات الإغاثية مشروعا
يستطيع الفقير من خلاله أن يكسب وأن يعفّ نفسه ويعطي غيره.
(10)قيمة الشفافية
وهذه قيمة يكثر عنها الحديث اليوم ونسمعها في وسائل الإعلام وقامت
لرعايتها مؤسسات دولية ، وما ذاك إلا لأهميتها البالغة في العمل المؤسسي ، وهذه
القيمة ليست بمستحدثة عندنا فلها في ديننا أصل حيث ثبت أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال حينما رأه بعض الصحابة يسير في جنح الليل مع امرأة (إنها صفية) ، فقال
الصحابة (أو نشك فيك يارسول الله ؟) قال (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم)يريد
النبي صلى الله عليه وسلم أن يزيل أي لبس أو شك من النفوس وأن يحسم مادة الشر بهذا
الوضوح والإعلان حتى لا يدع مجالا للقيل والقال.
ونحن في عملنا الخيري حينما نتعامل مع الأموال (جمعا وصرفا) لا بد لنا من
الالتزام الصارم بالشفافية والضبط المالي الموثق حتى تعمر الثقة وبالتالي يكون
التجاوب من الناس والهيئات الداعمة أعظم وأكبر، وأستطيع أن أجزم أن من أعظم أسباب النجاح والتوسع في العمل الخيري هو التعامل
الواضح واعتماد مبدأ الشفافية الذي تكشفه تقارير الأداء ويجعل الجميع مطمئنا إلى
أن الأموال التي تجمع تصرف في أوجهها.
(11)قيمة الامانة
الأمانة سلوك المسلم الدائم وضدها الخيانة والمسلم لا يكون خائنا أبدا،
فنحن في عملنا الخيري مؤتمنون على كل درهم نجمعه أو عمل نعمله ، مؤتمنون على ما في
أيدينا من الموارد والمعينات ، والله جل وعلا سائلنا عن ذلك كله يوم القيامة. ونحن
في عملنا الخيري يجب أن نأخذ أنفسنا بأحسن الطرق التي نصرّف بها الأموال زمانا
ومكانا وأسلوبا، لقد سمعنا عن منظمات تجمع الأموال لتنفيذ مشاريع الأضاحي ثم تعجز
عن الوفاء بالتزاماتها في الوقت المحدد وربما تلفت تلك اللحوم ولم يصل منها شيئ
لمستحقيها.
(12)قيمة البذل والتضحية
من القيم العظيمة التي تتحرك بها مؤسسات الخير قيمة البذل والتضحية قي
سبيل الله سبحانه وتعالى، ومعلوم أن المسلم مطالب أن يبذل أحسن ما يملك وأن ينفق
مما يحبه ويؤثره على غيره مضحيا في سبيل ذلك براحته ووقته وماله، وبمثل هذه التضحيات
تنجز الأعمال وتثمر الجهود وتتحقق الآمال.
(13)قيمة المسؤلية
المسؤولية قيمة عظيمة يقول عنها
النبى صلى الله عليه وسلم (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ) والإسلام يجعل
الفرد مسئولا عن نفسه ومسئولا عن من يعول ومسئولا عن أعمال الخير في الدائرة
الأوسع ، وفوق ذلك فكل فرد مسئول عن الواجبات التضامنية مع الأمة لأننا أمة
الشهادة وأمة الخير فنحن مسؤولون بين يدي الله سبحانه وتعالى عن كلّ ما حملنا الله
إياه من وظائف وواجبات دينية أوحياتية ، وما الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر إلا وظيفة
من الوظائف المجتمعية التي ينبغي أن ينهض بها أفراد المجتمع كل ٌبحسب وسعه وعلمه.
وتأتى قيمة المحاسبة والجزاء بعد قيمة المسئولية فكل مسئول محاسبٌ أمام
إخوانه فى المؤسسة أو أمام الجمهور الذى يتعامل معه أو أمام الله يوم القيامة ،
والذي يخشاه المؤمن قبل أن يخشى الحساب والجزاء من البشر فإنّه يخشى الحساب والجزاء
من ربّ البشر سبحانه وتعالى في يوم لا تنفع فيه خلة ولا شفاعة.
(14)قيمة فقه العمل
فقه الأعمال قيمة مهمة من قيم الإسلام ، ذلك لأن الإسلام لم يأمرنا بأداء
الأعمال بأي صورة كانت وإنما أمرنا أن نأتى بالعمل في صورته المطلوبة المحققة
لأهدافه ومقاصده ، ولذلك كان سيدنا عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه يقول (من عمل
فى غير مالم يعلم كان ما يفسد أكثر مما يصلح) والفقه لا بد منه لصاحب أي تخصص
فالطبيب لا بد أن يكون فقيها في طبه، والتاجر لابد أن يكون فقيها في تجارته، والذي
يعمل فى المؤسسات الخيرية وعمل الإغاثة لابد أن يكون فقيها أيضا فيما يقوم به من
عمل، وأظن أنّ مثل هذه الملتقيات تأتي لتبصرنا وتعلمنا فقه ديننا في ما نمارسه من
أعمال.
ولا شك أن العمل بغير فقه يؤدي إلى اضطراب الأمور وربما وقع الإنسان في
المحظور وهو يريد الخير ، كما أن فقدان الفقه العملي يؤدي إلى زعزعة الأولويات وعدم
إحسان ترتيبها وهذا يقع على مستوى الفرد وعلى مستوى المؤسسة ، فالمؤسسة التي تذهب
إلى بلد لتعمل فيه دون أن تحيط علما بأحواله واحتياجات أهله ترتكب أخطاء فادحة تعثر
عملها وتفسده ، فنحن قبل أن نبدأ عملا نحتاج أن نعرف حاجة الناس الحقيقية في
البلدان المختلفة التي نتحرك فيها وما هي الأولويات المهمة التي تتقدم على غيرها
حتى لا ننشغل بالأمور الصغيرة على حساب الأمور الكبيرة .وكما يقول الإمام ابن
القيم رضى الله عنه (ومن شغله النفل عن الفرض فهو مغرور ومن شغله الفرض عن النفل
فهو محظوظ).
(15)قيمة الإحسان
والقيمة الأخيرة التي أقف عندها من القيم التي يجب أن تكون حاكمة على
عملنا كله قيمة الاحسان والاتقان، وقد آثرت أن أختم بها لأنها في ظني القيمة التي تدخل
في كل ما سبق ذكره فالنّبى صلى الله عليه وسلم قال (إن الله كتب الاحسان على كل شئ إذا ذبحتم فأحسنوا
الذبحة وإذا قتلتم فأحسنوا القتلة) وفي
الحديث أيضا (إنّ الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه).فالاتقان قيمة مهمة نضمن
بها جودة الانتاج واستمرار الأعمال ونجاح المشاريع.
وبقيت نقطة أخيرة تتعلق بالقيم الغربية فى المعاملات الخيرية أو
المعاملات الإغاثية نحن نعلم أنّ في الساحة مؤسسات غربية خيرية لها بلا شك مجهودات
تشكر عليها ومن لا يشكر الناس لم يشكر الله لكنّنا نعلم أيضا أنّ بعض المؤسسات
الخيرية تكون أعمالها فيها شئ من الشبهات تدور حول طريقة أدائها ومقاصدها التي
ترمي إليها ، فنجد بعض هذه المؤسسات تركز على العمل في مناطق بعينها بينما تهمل العمل
في مناطق ذات قضايا أكثر إلحاحا لكنها لا تعبأ بها لأسباب دينية أو مصلحية ، وقد رأينا
هذا في أحداث غزة ونراه اليوم في أحداث سوريا، ولا شك أن هذا النوع من التعامل
يقدح في نزاهة هذه المؤسسات لأنها تتعامل مع الكوارث الإنسانية بنوع من التمييز
الذي يجب أن يتحرر منه العمل الإنساني.
No comments:
Post a Comment